الطائفة العلوية.. تاريخٌ في القلب السوري ومصيرٌ في مهبّ الصراعات
أوسكار نيوز_ الدكتور فادي سويرس
لم تكن الطائفة العلوية التي تشكّل إحدى أبرز المكوّنات الاجتماعية في سوريا يوماً مجرد أقلية دينية عابرة، بل كانت جزءاً جوهرياً من نسيج السلطة والهوية السورية لعقود، خاصةً مع تمركزها الرئيس في الساحل السوري، القلب الجيوسياسي الذي يشهد اليوم تحولاتٍ مصيرية.
لكنّ اندلاع الثورة السورية 2011 وتحوّلها إلى حربٍ متعددة الأوجه، ألقى بظلاله القاتمة على هذه الطائفة، التي وجدت نفسها في مرمى نيران التهميش والاستهداف المباشر وغير المباشر، لا سيما وتصاعد الخطاب الطائفي وتشظي خريطة النفوذ بين الأطراف المحلية والدولية.
الفصل السابع: بصيص أملٍ تحوّل إلى سراب
لطالما مثّل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح بفرض عقوبات عسكرية أو تدخّل دولي لحماية المدنيين، أملاً للفئات المهددة بالإبادة في سوريا، ومنها العلويون.
فقد أثارت التقارير الدولية المُتتالية عن انتهاكات ممنهجة بحقهم، سواءً من قبل جماعات مسلحة معارضة أو تنظيمات إرهابية، نقاشاً حول إمكانية تطبيقه كآلية قانونية دولية لوقف النزيف.
لكنّ هذا الأمل بدأ يخفت تدريجياً مع تعثّر مجلس الأمن في اتخاذ قرارات حاسمة، بسبب الاستقطاب الدولي وتضارب المصالح بين القوى العظمى، ما حوّل الفصل السابع من خيارٍ عملي إلى مجرد ورقة ضغطٍ سياسية بلا روح تنفيذية.
تفاهمات قسد والدولة السورية: إطفاء جمرة الصراع أم إشعال فتيل التهميش؟
في خضمّ هذا التعقيد، برزت مؤخراً تفاهمات مثيرة للجدل بين قوات “قسد” (القوات الديمقراطية السورية) المدعومة أمريكياً، والنظام السوري، والتي هدفت – نظرياً – إلى إعادة ترسيم حدود النفوذ في شمال وشرق سوريا، وتجنّب تصعيد عسكري قد يفتح جبهات جديدة.
لكنّ هذه التفاهمات حملت في طياتها إشكالية عميقة للطائفة العلوية، إذ بدت كصفقةٍ سياسية تُدار خلف الكواليس دون ضماناتٍ لحماية المكونات الهشة، بل عزّزت مخاوفاً من أن يصبح العلويون ضحيةً جديدة لتحالفات تُقاس بمعايير المصالح الجيوسياسية، لا بمواثيق حقوق الإنسان.
فقد تجاهلت الاتفاقية – وفقاً لمراقبين – البُعد الطائفي للأزمة، وركّزت على تقاسمٍ للأراضي والموارد، ما يعني عملياً إهمال ملف الحماية الدولية للعلويين، ودفعه إلى زاويةٍ أكثر عتمةً في ظلّ صعود أجندات القوى الإقليمية والدولية التي تُعلي واقعية السياسة على مثالية القانون الدولي.
الحماية الدولية بين عجز الأمم المتحدة وصمت المجتمع الدولي
اليوم، وفي ظلّ تراجع الحديث عن الفصل السابع، وتقدّم المفاوضات المحلية المُفعّلة بأجندات خارجية، يبدو السؤال عن حماية دولية للعلويين أشبه باستجداءِ حقٍّ تحت سماءٍ ممطرة باللامبالاة.
فالأمم المتحدة، التي يفترض أن تكون الحَكَم الدولي، تعاني شللاً ذاتياً بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تحوّل إلى أداةٍ لتعطيل العدالة بدلاً من تحقيقها.
أما المجتمع الدولي، فمنشغلٌ بإعادة ترتيب أولوياته في ملف سوريا، حيث لم تعد “الحماية” ورديةً في قاموسه، بل حلّ محلها تعابير مثل “الاستقرار” و”احتواء الأزمات”، حتى لو كان الثمن إهمال فئاتٍ بأكملها.
ومع ذلك، يرى محللون أن الأمل – وإن كان ضئيلاً – قد يعود عبر آلياتٍ غير تقليدية، كالضغط الإعلامي الدولي، أو تحريك دعاوى قضائية في المحاكم الدولية، أو تعزيز تحالفات مع قوى إقليمية فاعلة. لكنّ هذه الخيارات تبقى رهناً بإرادة سياسية غائبة، وباستعداد العلويين أنفسهم لخوض معركةٍ قانونيةٍ شائكة، في وقتٍ يكافحون فيه للبقاء فوق أرضٍ تتحرك تحت أقدامهم.
هل من مُنقذٍ؟
لا يُنكر عاقلٌ أن العلويين في سوريا يقفون عند مفترق طرقٍ وجودي، فالتاريخ لا يرحمُ من يُهملون لحساب معادلات القوة. لكنّ اليقين الوحيد اليوم هو أن الحماية الدولية لم تعد ذلك الحلم الواثق الذي بشّر به الفصل السابع، بل تحوّلت إلى أمنيةٍ معلّقة على أكتاف دبلوماسيين يناقشون مصير الشعوب في قاعاتٍ مكيّفة. ومع كلّ انزياحٍ للأمم المتحدة عن دورها، يتراجع بصيص الأمل، ليُترك العلويون أمام خيارين مرّين:
إما التمسك بسلطةٍ محليةٍ تفقد شرعيتها يوماً بعد يوم، أو الانخراط في لعبةٍ دوليةٍ لا تعترف إلا بلغة المصالح. وفي الحالتين، تبقى دماؤهم الطاهرة هي العملة الوحيدة المتداولة في سوقٍ سياسيةٍ لا تعرف الرحمة.
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي أوسكار نيوز وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً.
Plus d'histoires
سوريا: تجاذبات وإعادة رسم للخارطة الجيوسياسية
اتفاقية التوازن السوري: قسد دروسًا والدروز مسارًا نحو سوريا الشاملة
Officiellement... Al-Shara et Abdi signent un accord visant à intégrer les forces du QSD dans les institutions de l'État.